الإعلام العربي بين التبعية الثقافية وغياب الإرادة السياسية
السبت, أبريل 07, 2007
مما لا شك فيه أن الإعلام في عصرنا الحديث يعتبر الشريان الأساس لأي تغيير تعرفه الانسانية والدينامو الرئيس لكل بناء مجتمعي باعتباره المادة الأولية للمعرفة والحقل الوحيد الذي تتقاطع فيه كل المجالات الحياتية لقابليته في انتاج وتقييم واستغلال كل ثروة من ثرواتها. وهذا ما نلحظه في حياتنا اليومية فيما يخص سرعة انتقال المعلومات وتداولها وآنية ودقة معالجتها واستغلالها، ولهذا السبب ليس من الغريب من شيء في أن تصب توقعات المختصين في مجال الاعلام ودارسي المستقبليات في كون المجتمع الحالي المتسم بالإنتاج الصناعي يتجه نحو مجتمع الإعلام والمعرفة إن لم يكن قد أصبح كذلك.
ولنفس هذه لاعتبارات السالفة الذكر يمكن أن نقول وبدون مواربة أن الإعلام هو الرأس المال –إلى جانب الموارد البشرية- والمحدد لكل سياسة اقتصادية واجتماعية وثقافية حديثة، الأمر الذي ولسوء الحظ تتجاهله السلطات المسؤولة الرسمية في بلداننا العربية بغياب إرادة سياسية تقوده نحو ثورة حقيقية في هذه المجالات.
وبعكس الدول المتقدمة التي تجعله في طليعة رهاناتها الاستراتيجية من أجل تحقيق مكاسب سياسية وثقافية وحتى عسكرية، نجد أن الاعلام العربي منمط بشكل مثير للقرف إذ لاهم له سوى نظم القصائد واختيار القوافي والمدح والتصفيق والتطبيل والتزمير للسياسات الحكومية، أما عقلانية هذه المنظومة كسبيل لمشروع مجتمعي واعد ينمي مساراتها السياسية والإقتصادية ويحترم تركيبتها الإجتماعية ومكتسباتها الثقافية فإلى إشعار آخر.
فالإعلام العربي لم يستطع أن ينتزع استقلاليته لعقود وذلك لكونه بعيدا كل البعد عن صوت السواد الأعظم في المجتمع العربي ولإرتباطه الدائم بالنخب المسيطرة على كل دواليب الدولة ولعدم مسايرته للتحولات الإجتماعية التي يعرفها الشارع إضافة إلى “المسخ” الثقافي الذي يعبر عنه بشكل حاد في السنوات الأخيرة.
ففي بلد كالمغرب مثلا، لايمكن الحديث عن مشهد إعلامي خارج التبعية السلطوية من جهة والتبعية الثقافية من جهة أخرى، كما يمكن الذهاب أكثر من ذلك بالحديث عن توليفة يمكن ملاحظتها مصاغة بين هاتين التبعيتين، فيها يختلط النفوذ السياسي بالاقتصادي بالثقافي حيث يكون الضحية هنا هو الشعب والمكتسبات التاريخية والحمولة الثقافية للبلد، وهذه التوليفة تتمثل وبلا شك في المد الفرنكفوني المتنامي والسطوة الفرنسية على كل مناحي الحياة الإعلامية بالمغرب، إذ يقول الكاتب والإعلامي المغربي عبد الصمد بن شريف ” فسطوة وهيمنة اللغة الفرنسية أصبح معطى ملموسا وأنصارها يتزايدون بأعداد هائلة” ويضيف في فقرة أخرى من مقالته “فإنهم (أي الوزراء) يحرصون على أن يفعلوا ذلك (أي الحديث وإلقاء التصريحات) بفرنسية تنم عن تشبتهم بشروط ومعايير الإنخراط في صف الحداثة والديمقراطية”، وهذا قول صحيح إذ كثيرا ما لايخجل بعض الحداثويون الفرنكفونيون المغاربة في استشهاداتهم بالنماذج الحداثية من تكرار عبارة “ففي الدول المتقدمة وفرنسا مثلا…” ثم يواصلون ويغالون في تأملاتهم النرجسية اتجاه نموذجهم الأم. كما لايمكنني أن أمر على ما كتبه الأستاذ عبد الصمد بن شريف دون إبداء تحفظي عن الموقف الذي كان قد خلص إليه في بداية مقالته على أنه سيكون في طليعة المطالبين بضرورة تحويل اللغة الفرنسية إلى اللغة الرسمية بالمغرب، كما لو أن الصحفي العامل بالقناة الثانية الدوزيم مع احترامي الشديد له يريد ترويج الأفكار ذاتها ويود القول بصريح العبارة “دستروا الفرنسية أيها البلهاء” رغم أنني لا أنكر، صراحة، واقعية الكاتب في تحليله واستدلاله بالنخب المسيطرة على أجهزة الدولة والإدارة والإقتصاد والاعلام، الشيء الذي يؤكد هذه التوليفة.
وباعتبار الإعلام (بكل أشكاله، الصوت والصورة والنص والإعلان…) منبعا ومصبا في الآن ذاته لكل تصور سياسي إجتماعي واقتصادي وثقافي، سيكون بالنسبة لأبناء ركلوس (سواء منهم الأصليون أو المعدلون وراثيا لهذا الغرض) رهانا أساسيا بغياب استراتيجية وطنية (وأسطر على وطنية) لبسط السيطرة ومسخ الهوية المغربية بكل مكوناتها الإسلامية والعربية والأمازيغية من أجل الترويج للبديل الفرنكفوني في أفق “فرنسا الأم”.
إنه لمن العار أن تحظى الفرنسية في القناة الأولى المغربية بنسبة30 بالمائة فيما يخص البرامج المبثوتة، وهي لغة المستعمرين الفرنسيس كما عرفوهم أباءنا وأجدادنا، بينما يبلغ الحيف اللغة الأمازيغية إحدى اللغتين الأصليتين للبلاد ويتم تقزيمها واستصغارها وعرضها على شكل صور فولكلورية كأنها ثقافة عصر حجري عبر واندثر وفي أحسن الأحوال في مادة إخبارية مملة ساعة ما بعد الظهيرة حيث المغاربة نيام.
وحدث ولا حرج عن القناة الثانية، معقل الإعلام الفرنكوفي الأكبر بالمغرب، أسستها في البداية شبكة تي إف 1 الفرنسية إلا أنها عرفت الإفلاس بداية التسعينات وهذا أكبر دليل على إفلاس الطرح الفرنكفوني بالمغربي وأن طبيعة الشعب المغربي ذات المناعة الثقافية القوية لفظتها لفظ النواة لو لا تدخل الدولة بضغوط اللوبيات الفرنكفونية لشراء أسهمها وإنقاذها من البوار. وتقدر المواد المقدمة بالفرنسية فيها بأكثر من 70 بالمائة، ولا أذيع سرا إن قلت أنه من الأشياء التي أشعرتني بالحكة وبالإستفزاز معا هو العلامة الجديدة لهذه القناة على الساتل دوزيم موند، إقتداءا بأختها بالرضاعة تي في 5 موند، كما لو أن القاموس العربي خالية صفحاته من أسماء كـ “العالمية” أو “الفضائية”.
وأكتفي هنا بالقناتين الأولى والثانية كنموذجين للتغلغل الفرنكفوني دون ذكر باقي المنابر الإعلامية الفرنكفونية الأخرى البارزة منها والمجهرية التي تتكاثر هذه الأيام كالفطر.
وإن كان الإعلام الفرنكفوني هو النموذج السائد بالمغرب ومعظم البقية الباقية من البلدان المغاربية نظرا لتبعات تركة الحقبة الإستعمارية، فإن المشرق العربي نفسه لم يسلم من التبعية الإعلامية (مع تسجيل بعض الإستثناءات التي يمكن أن تمثل بارقة أمل)، ما يظهر بشكل واضح من ناحية السيطرة والغزو الإعلامي والثقافي الأمريكيين، إذ أن بعض المحطات العربية تنهج إعلاما أمريكيا بالوكالة بدعوى تلفزيون الواقع أو ما شابه، ناهيك عن عدم تمكنه من فرض نفسه كإعلام مستقل بذاته عن السلطات الرسمية من جانب والإديولوجيات الطائفية من جانب آخر.
يقول غريغوري باتسن عن الإعلام بأنه “التباين الذي يصنع التباين”، ولذلك ليس غريبا أن تحظى صناعة الإعلام بكل هذا الإهتمام من طرف الدول المتقدمة والمهيمنة على الوضع العالمي باعتباره عنصرا أساسيا في عملية التغيير وسبيلا استراتيجيا نحو كل هيمنة سياسية واقتصادية وثقافية وعسكرية، بعكس ما يجري ويدور في عالمنا العربي بكونه مجرد بوق للسلطة الحاكمة وأداة للمتلاعبين بماضينا وحاضرنا ومستقبلنا.
ولنفس هذه لاعتبارات السالفة الذكر يمكن أن نقول وبدون مواربة أن الإعلام هو الرأس المال –إلى جانب الموارد البشرية- والمحدد لكل سياسة اقتصادية واجتماعية وثقافية حديثة، الأمر الذي ولسوء الحظ تتجاهله السلطات المسؤولة الرسمية في بلداننا العربية بغياب إرادة سياسية تقوده نحو ثورة حقيقية في هذه المجالات.
وبعكس الدول المتقدمة التي تجعله في طليعة رهاناتها الاستراتيجية من أجل تحقيق مكاسب سياسية وثقافية وحتى عسكرية، نجد أن الاعلام العربي منمط بشكل مثير للقرف إذ لاهم له سوى نظم القصائد واختيار القوافي والمدح والتصفيق والتطبيل والتزمير للسياسات الحكومية، أما عقلانية هذه المنظومة كسبيل لمشروع مجتمعي واعد ينمي مساراتها السياسية والإقتصادية ويحترم تركيبتها الإجتماعية ومكتسباتها الثقافية فإلى إشعار آخر.
فالإعلام العربي لم يستطع أن ينتزع استقلاليته لعقود وذلك لكونه بعيدا كل البعد عن صوت السواد الأعظم في المجتمع العربي ولإرتباطه الدائم بالنخب المسيطرة على كل دواليب الدولة ولعدم مسايرته للتحولات الإجتماعية التي يعرفها الشارع إضافة إلى “المسخ” الثقافي الذي يعبر عنه بشكل حاد في السنوات الأخيرة.
ففي بلد كالمغرب مثلا، لايمكن الحديث عن مشهد إعلامي خارج التبعية السلطوية من جهة والتبعية الثقافية من جهة أخرى، كما يمكن الذهاب أكثر من ذلك بالحديث عن توليفة يمكن ملاحظتها مصاغة بين هاتين التبعيتين، فيها يختلط النفوذ السياسي بالاقتصادي بالثقافي حيث يكون الضحية هنا هو الشعب والمكتسبات التاريخية والحمولة الثقافية للبلد، وهذه التوليفة تتمثل وبلا شك في المد الفرنكفوني المتنامي والسطوة الفرنسية على كل مناحي الحياة الإعلامية بالمغرب، إذ يقول الكاتب والإعلامي المغربي عبد الصمد بن شريف ” فسطوة وهيمنة اللغة الفرنسية أصبح معطى ملموسا وأنصارها يتزايدون بأعداد هائلة” ويضيف في فقرة أخرى من مقالته “فإنهم (أي الوزراء) يحرصون على أن يفعلوا ذلك (أي الحديث وإلقاء التصريحات) بفرنسية تنم عن تشبتهم بشروط ومعايير الإنخراط في صف الحداثة والديمقراطية”، وهذا قول صحيح إذ كثيرا ما لايخجل بعض الحداثويون الفرنكفونيون المغاربة في استشهاداتهم بالنماذج الحداثية من تكرار عبارة “ففي الدول المتقدمة وفرنسا مثلا…” ثم يواصلون ويغالون في تأملاتهم النرجسية اتجاه نموذجهم الأم. كما لايمكنني أن أمر على ما كتبه الأستاذ عبد الصمد بن شريف دون إبداء تحفظي عن الموقف الذي كان قد خلص إليه في بداية مقالته على أنه سيكون في طليعة المطالبين بضرورة تحويل اللغة الفرنسية إلى اللغة الرسمية بالمغرب، كما لو أن الصحفي العامل بالقناة الثانية الدوزيم مع احترامي الشديد له يريد ترويج الأفكار ذاتها ويود القول بصريح العبارة “دستروا الفرنسية أيها البلهاء” رغم أنني لا أنكر، صراحة، واقعية الكاتب في تحليله واستدلاله بالنخب المسيطرة على أجهزة الدولة والإدارة والإقتصاد والاعلام، الشيء الذي يؤكد هذه التوليفة.
وباعتبار الإعلام (بكل أشكاله، الصوت والصورة والنص والإعلان…) منبعا ومصبا في الآن ذاته لكل تصور سياسي إجتماعي واقتصادي وثقافي، سيكون بالنسبة لأبناء ركلوس (سواء منهم الأصليون أو المعدلون وراثيا لهذا الغرض) رهانا أساسيا بغياب استراتيجية وطنية (وأسطر على وطنية) لبسط السيطرة ومسخ الهوية المغربية بكل مكوناتها الإسلامية والعربية والأمازيغية من أجل الترويج للبديل الفرنكفوني في أفق “فرنسا الأم”.
إنه لمن العار أن تحظى الفرنسية في القناة الأولى المغربية بنسبة30 بالمائة فيما يخص البرامج المبثوتة، وهي لغة المستعمرين الفرنسيس كما عرفوهم أباءنا وأجدادنا، بينما يبلغ الحيف اللغة الأمازيغية إحدى اللغتين الأصليتين للبلاد ويتم تقزيمها واستصغارها وعرضها على شكل صور فولكلورية كأنها ثقافة عصر حجري عبر واندثر وفي أحسن الأحوال في مادة إخبارية مملة ساعة ما بعد الظهيرة حيث المغاربة نيام.
وحدث ولا حرج عن القناة الثانية، معقل الإعلام الفرنكوفي الأكبر بالمغرب، أسستها في البداية شبكة تي إف 1 الفرنسية إلا أنها عرفت الإفلاس بداية التسعينات وهذا أكبر دليل على إفلاس الطرح الفرنكفوني بالمغربي وأن طبيعة الشعب المغربي ذات المناعة الثقافية القوية لفظتها لفظ النواة لو لا تدخل الدولة بضغوط اللوبيات الفرنكفونية لشراء أسهمها وإنقاذها من البوار. وتقدر المواد المقدمة بالفرنسية فيها بأكثر من 70 بالمائة، ولا أذيع سرا إن قلت أنه من الأشياء التي أشعرتني بالحكة وبالإستفزاز معا هو العلامة الجديدة لهذه القناة على الساتل دوزيم موند، إقتداءا بأختها بالرضاعة تي في 5 موند، كما لو أن القاموس العربي خالية صفحاته من أسماء كـ “العالمية” أو “الفضائية”.
وأكتفي هنا بالقناتين الأولى والثانية كنموذجين للتغلغل الفرنكفوني دون ذكر باقي المنابر الإعلامية الفرنكفونية الأخرى البارزة منها والمجهرية التي تتكاثر هذه الأيام كالفطر.
وإن كان الإعلام الفرنكفوني هو النموذج السائد بالمغرب ومعظم البقية الباقية من البلدان المغاربية نظرا لتبعات تركة الحقبة الإستعمارية، فإن المشرق العربي نفسه لم يسلم من التبعية الإعلامية (مع تسجيل بعض الإستثناءات التي يمكن أن تمثل بارقة أمل)، ما يظهر بشكل واضح من ناحية السيطرة والغزو الإعلامي والثقافي الأمريكيين، إذ أن بعض المحطات العربية تنهج إعلاما أمريكيا بالوكالة بدعوى تلفزيون الواقع أو ما شابه، ناهيك عن عدم تمكنه من فرض نفسه كإعلام مستقل بذاته عن السلطات الرسمية من جانب والإديولوجيات الطائفية من جانب آخر.
يقول غريغوري باتسن عن الإعلام بأنه “التباين الذي يصنع التباين”، ولذلك ليس غريبا أن تحظى صناعة الإعلام بكل هذا الإهتمام من طرف الدول المتقدمة والمهيمنة على الوضع العالمي باعتباره عنصرا أساسيا في عملية التغيير وسبيلا استراتيجيا نحو كل هيمنة سياسية واقتصادية وثقافية وعسكرية، بعكس ما يجري ويدور في عالمنا العربي بكونه مجرد بوق للسلطة الحاكمة وأداة للمتلاعبين بماضينا وحاضرنا ومستقبلنا.
0 تعليقات