ربما لم يكن أحد يتوقع حينها أن الهزيمة التي مني بها الجيش الجزائري إبان الحرب الحدودية سنة 1963 (حرب الرمال) على يد الملك الراحل الحسن الثاني سوف تكون لعقود قادمة حادثا فيصليا في قضية الصحراء المغربية، ولم يكن أحد يعلم أنه سيأتي رئيس بانقلاب على بنبلة سنة 65 ليعيد رسم خطوط الصراع مع المغرب من جديد، فرغم أن هواري بومدين وبشهادة غريمه الملك الحسن الثاني كان يعتنق مذهب الواقعية في السياسة ويحسن إدارة الأحداث بمستوى راقٍ أكثر من سلفه بنبلة، إلا أنه وقع ضحية حزازات شخصية وإيديولوجية جعلته حبيس الذات دون النظر إلى مستقبل المنطقة، وهاهي بعد أزيد من ثلاثين سنة، جبهة البوليساريو التي خرجت من تحت عباءة نظامه، يضعها العسكر الجزائري عصا في عجلة التنمية في بلدان المغرب العربي.
قال الراحل بومدين ذات مناسبة عن المغرب والحسن الثاني "لم يخطر ببالي ولو للحظة أن أثير العواصف داخل هذا البلد الشقيق، لكن العاهل المغربي لم يستمع إلي كما ينبغي…"، وبالمقابل في تصريح للملك سنة 1979 قال "متحدثا عن آثار الهزيمة على بومدين" أنه كان عليه-أي بومدين "أن يستشعر من خلال الآثار ما إذا كان سيغنم طريدة أم لا، حاسته السادسة كان يجب أن تقوده إلى إستنتاج أنه لن يربح شيئا من مواصلة الصراع".
رحل الرجلين عن بلديهما للأبد، فرحلت سياسة الملك في الصحراء بينما بقيت سياسة بومدين تراوح مكانها في رؤوس البعض من الثوار الجزائريين لعقدة أكسبتهم شعورا مستديما بـ"الحكَرة" ورثوه عن مخلفات حرب الرمال.. أما نحن فمن جيل فتح عينه في هذه الحياة على صراع لا يفقه خلفياته ولا يعرف أسراره ولا حتى ما الداعي لإستمراره… ربما شيء واحد نفهمه، هو أن الحرس القديم بالجزائر ما زال يتحكم في حاضرها ومستهتر بشأن مصير المنطقة، هذا كل ما في الأمر.