في البداية كانوا مجموعة من أشقاء يهود بيلاروسيين تعرضت عائلتهم للإبادة من طرف القوات النازية الألمانية فإضطروا للهرب خوفا من بطش جنود هتلر وزبانيته، لتكون الغابات والبراري البيلاروسية هي المكان الوحيد والآمن للعيش.
سبب إختياري للحديث عن هذا الفيلم (إنتاج 2008) كوني أرى أن حبكة السيناريو كانت جد قوية ومتماسكة، وتمكنت بشكل سينيمائي فني، دراماتيكي أحيانا وحركي في بعض الأحيان، من إبراز طبيعة الشخصية اليهودية كفرد والتكتل الرهيب لهم كجماعة والقدرة العالية في التبوثق داخل نسيج واحد رغم كل الإختلافات التي تظهر جلية بين أفرادها داخله، وحتى القدرة على إستيعاب الخلافات والإنشقاقات بدهاء القيادة التي كانت في شخص الأخ الأكبر (Tuvia).
حكاية الفيلم -من قصة واقعية- بدأت بإختباء الإخوة الأربعة في الغابة هربا من النازيين، بعد فترة بدأوا يلتقون شيئا فشيئا بيهود آخرين من قرى ومدن أخرى فروا هم بدورهم من التقتيل الألماني وعاشوا قصص مماثلة لقصصهم، حيث من الواضح هنا أن سواء السيناريست أو المخرج قاما بمحاولة إستحضار "المأساة" والضمير الجمعي لليهود.
والمعروف عن اليهود في أوروبا آنذاك أنهم لم يكونوا حملة للسلاح أو رجال حروب وكان المشاع عنهم بعض الكليشيهات التي كانت تصب كلها في طبيعتهم الماكرة والجبانة (هذا عن أوروبا هتلر وماقبله، وليس الآن :) )، إلا أن بطل القصة Tuvia، في شخص النجم البريطاني Daniel Craig، كان إستثناءا داخل الفيلم إضافة إلى الدهاء الذي كان يتمتع به، فقد إستطاع Tuvia أن يكسب ثقة اليهود المتشردين بعدما أن ذاع صيته في أرجاء المنطقة وذلك بسبب إنتقامه لأسرته من الضابط النازي الذي قتّلهم، حيث قام بقتله وأبناءه أمام أعين الزوجة التي كانت تترجاه وتتوسل إليه ليقتلها بدورها لكنه أبى وتركها لتتجرع من نفس الكأس الذي أذاقه منه زوجها. وبفضل هذه الحادثة، وبكونه قادرا على حمل السلاح هو وإخوته، إضافة إلى روحه القيادية وقدرته العالية على التنظيم ورص الصفوف، إستطاع تعبئة المئات من اليهود من القرى والغيتوهات المجاورة وبناء مجتمع يهودي داخل الغابة، وإستغلال المواهب والمهارات التي كان يتمتع بها الأفراد المنضمين إليه.
وإستطاع tuvia من تكوين ميليشيا بتجنيده وتعليمه إستخدام السلاح لمجموعة من اليهود رجالا ونساءا بقيادة أخيه zuch الذي لم يكن أقل قوة وعنفوانا منه، لكن ما قد يلاحظه المتتبع أن Edward Zwick مخرج الفيلم إستطاع بشكل إحترافي عالي في الدقة من توضيح البون الكبير بين شخصيتي الأخوين رغم كونهما يتمتعان بنفس الميزة في القوة الجسمانية والشجاعة إلا أن zuch يعزوه ذكاء ودهاء tuvia ومهارته الديبلوماسية خاصة لحظة عقد حلفه مع القائد العسكري السوفياتي، إضافة إلى كون zuch كان يميل إلى الفردانية والأنانية فإلتحق بالقوات السوفياتية بدلا من حماية جماعته وذلك قبل أن يتراجع ويعود في الأخير ليكون عنصرا فارقا في إحدى المعارك ضد القوات النازية، بينما tuvia كان أكثر إيمانا بالإنتماء إلى "العشيرة"/"الشعب" اليهودي.
ولم تكن الطريق بالنسبة إليهم محفوفة بالورود، فقد واجهت المجموعة عدة تحديات أولها خارجي المتمثل في الملاحقة النازية لهم، وثانيها داخلي وهو بروز الصراعات داخل "المجتمع" خاصة حول القيادة حيث كان Tuvia حاسما في الأمر وقام بتصفية رأس المتمردين، وتحدي آخر طبيعي وهو المناخ الشرق-أوروبي المتميز بقساوته خاصة في البراري البيلاروسية. لكن الواضح في القصة و هو التحدي الأكبر، أي الرغبة في بناء مجتمع يهودي قوي ومتماسك.
هناك تفاصيل أخرى كثيرة حاولت عدم ذكرها حتى تكتشفوا الفيلم بأنفسكم منها الرومانسية وبعض الدلالات الدينية اليهودية، وكثيرة هي الدلالات الأيديولوجية التي أحذر منها وبالضبط المتعلقة بالتسويق الهوليودي للهولوكست.
كما أريد أن أشير إلى أن الأحداث الحقيقية للفيلم كانت في سنوات الأربعينيات من القرن الماضي أي السنوات التي كان فيها التسويق لأكذوبة "شعب بلاوطن" في أوجه، بينما كانت عصابات الهاغانا تُقتّل وتروع وتسرق في أرض فلسطين.